الله يرحم زمان أول
هو إنسان غريب الأطوار، إن قلت عنه أنه مغرور فهو مغرور ولا يتكلم إلاّ من طرف خشمه، وإن قلت عنه أنه تافه فهو أكثر من تافه، وإن قلت عنه أنه مكروه لكل من احتك به وعاشره عن قرب، فلن أجانب الحقيقة أبدا إذا أكدت ذلك، والغريب أنه مع ذلك كله ناجح في عمله إذا كان النجاح يقاس بتحقيق الأرباح المادية.
ورغم أن الغالبية يهابونه ويتحاشونه لما له من نفوذ ولسان سليط، وهو لا يتورع عن الإيقاع بأي إنسان يحاول انتقاده أو حتى نصحه.
غير أن لي دالة عليه، ولا أتحرّج أبدا من مواجهته، حيث إن معرفتي به تعود إلى أيام الابتدائية في المدرسة، والمثل يقول: من عرفك وأنت صغير حقرك وأنت كبير، وفعلا عرفته من أول مراحل الدراسة إلى الثانوية، وكان لا يعدو إلاّ أن يكون بلطجيا يجلس دائما في آخر الفصل ولا ينجح إلاّ بالملحق أو بواسطة (براشيم) الغش.
جابهته يوما ودار بيني وبينه الحوار التالي، الذي سوف أنقله لكم بدون أي (رتوش)، وأول سؤال سألته هو: هل أنت تحب الناس؟!، وإذا كنت تحبهم لماذا لا تجعلهم يعرفون ذلك؟!
- إنني لا أحب إلاّ بعض الناس، ولا يهمني أن يعرفوا ذلك.
- هل تحمل ضغينة على أحد؟!، هل في قلبك مرض؟!
- نعم إن البعض لا يستحقون حتى أن تمد يدك لتصافحهم، إنهم يستأهلون الضرب (بـ...)، أما عن قلبي فليس فيه أي مرض، وقد أكد لي الطبيب ذلك عندما قال لي: إنك ما شاء الله مثل الحصان.
- هل تحترم أفكار الآخرين؟!
- إنني لا أحترم أفكارا غير أفكاري.
- هل تبتسم عند الهزيمة وتتواضع عند النصر؟!
- ليس للهزائم مكان في قاموس حياتي، أما انتصاراتي فإنني أحتفل بها على طريقتي الخاصة رغم أنوف الآخرين.
- لماذا لا تكون مرنا ومتسامحا وتناقش من يختلف معك في الرأي والعقيدة بأفق واسع؟!
- إن المرونة في نظري هي مرادفة للخنوع، والتسامح مرادف للجبن، وأنا لم أكن طوال حياتي لا خانعا ولا جبانا، إنني كلفت خطاطا أن يكتب بيتا من الشعر بماء الذهب وقد علقته في غرفة مكتبي.
- ما هو بيت الشعر هذا؟!
- ومن لم يذُد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لا يَظِلم الناس يُظلَم
بعد أن سمعت منه بيت الشعر هذا تيقنت أن الرجل قد وصل إلى الدرك الأسفل من الانغلاق و(النرجسية) المقيتة، ولكنني وقبل أن أنهي كلامي معه قلت له: ليس هناك إنسان يخلو من بعض العادات السيئة، فهل تستطيع أن تكتب بعضا من عاداتك تلك لتحاول التغلّب عليها فيما بعد؟!
قلت له ذلك وأنا أمد له ورقة بيضاء، فما كان منه إلاّ أن يخطفها من يدي ويمزقها أمامي ويقذف بها في سلّة المهملات، قائلا لي: ليس لي عادات سيئة، ولولا معرفتي القديمة بك، لقلت لك كلاما آخر لا يرضيك.
ضحكت باستخفاف من (نفشه لريشه)، ونهضت واقفا وقبل أن أغادر قلت له: الله يرحم زمان أول، نسينا ما كلينا.
الرئيسية 
موضوع: يا زمان يا زمان 
الخميس فبراير 20, 2014 12:43 am
